الأحد، 1 ديسمبر 2013

وضع الكلمة في مواضعها ( أخذ منه)

أولاً : فهم الكلمة من خلال الموضوع 

التأويل:
هو معرفة قصد المتكلم، ولا أحد يعرف قصد الكلام إلا صاحبه، لذا فإن الله سبحانه وتعالى يقول أن تأويل الكتاب عندي في قوله: "وما يعلم تأويله إلا الله". القرآن الكريم يفترض أنه يتحدث مع إنسان فاهم، لذا لزم فهم الموضوع ، وفهم الموضوع من الهدى.

فهم الموضوع R
ولفهم الموضوع من المهم جداً أن نبدأ من خلال التعامل المباشر مع المعلم وهو الله سبحانه وتعالى صاحب الكتاب. يجب أن نؤمن بذلك ولانستكبر على هذا المفهوم فهو المدخل الصحيح لتعلم القرآن الكريم. الله سبحانه وتعالى يرد عليك وعلى استفساراتك، وعلينا أن نعي أن القرآن الكريم ليس شيء مسجل ونحن نعيد سماعه بل هو حي وله
صاحب وصاحبه قريب منا.
في الشكل المقابل صورة توضح الفرق بين فهم الموضوع بالكلمة وبين فهم الكلمة بالموضوع. الخط العلوي يمثل جميع المعاني التي تتحملها الكلمة، الخط السفلي يمثل موضوع الآيات العام، إذا ركزنا على الكلمة أولاً كان لزاماً أن نستعرض جميع احتمالات معنى الكلمة، وجعلنا الموضوع أمام احتمالات عدة ومشتتة. من جهة أخرى إذا بدأنا في فهم موضوع الآيات فإن معاني كلمات الآية سيضيق وسيخصص بالمعنى الذي يتوافق مع فهم الموضوع، وبالتالي فإن المعنى الدقيق للكلمة سيتحدد تلقائياً. 

القرآن بدون موضوع: R
عندما لا نجتهد في فهم مواضيع القرآن الكريم، تتحول آيات القرآن إلى لغة، وبهذا نفقد المدخل الصحيح للتعامل مع القرآن، فاللغة يجب أن توضع على الهدى، والعلم وحده لا ينتج الهدى. وعندما تعامل الناس على أساس اللغة وحسب ضاعت كثير من المعاني وأصبح القرآن لا ينطق بصورة واضحة وبينه كما يقول الله سبحانه وتعالى عنه.

أمثلة R
1- ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231))
الآية تقول إذا طلقتم النساء، هذه إشارة على أنه تم تطليق المرأة ، ولكن الآية بعد ذلك تقول فبلغن أجلهن، إذا لابد من إكمال الآية لتتفهم أنه لا يتحدث أنه يتحدث عن طليقة فعلية ولكن يتحدث عن زوجة في عدة الطلاق. لذا نقول أن النص بدقته لا يعطي الموضوع أو المعنى الحقيقي المطلوب، والموضوع في هذه الآية أن الطلاق له فترة زمنية، ومن أول البدء في هذه الفترة الآية تقول "إذا طلقتم"، لذا بعدها تقول "فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف". R

2-   ( إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)) 
المصلين في هذه الآية ليست مجرد كلمة تعني الذي يؤدي أمر الصلاة بأفعالها المعروفة ، ولكنها كلمة تحمل عنوان رئيسي لمجموعة الأفعال التي ذكرت بعد هذه الكلمة في الآيات السابقة. ومنه أفهم موضوع أكبر من مجرد كلمة الصلاة وهو أن أي فعل فيه صلة مع الله هو صلاة، وأي عمل يزكي فيه المؤمن نفسه هو زكاة.ونلاحظ في كل آيات الإنفاق بأنها لم تذكر كلمة "الزكاة" ولكنها ذكرت كلمة الإنفاق، ذلك لأن الصدقة إنما هي واحدة من أعمال الزكاة، وأن موضوع الزكاة أوسع من  مجرد إنفاق، إنه تزكية نفس بكل أعمال الدين الصالحة. R

3- ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26)) 
للنظر كيف تعامل العلم مع هذا المثل الهام، حين ذهب للنظر إلى ما على البعوضة بدلاً من أن يفهم أصل الموضوع لوضع الكلمة في موضوعها الحقيقي، وهو قيمة الإنسان، وهذا ما تسببت به اللغة التي وضعت على الآيات قبل أن نفهم الموضوع. R




4- ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31))
عندما نركز في تأويل كلمة (الأسماء) وننسى فهم موضوع الآية سنبتعد عن معناها الحقيقي،وسنقول تأويلات كثيرة منها أن المقصود هو أسماء الأشياء:"الجبل والشجر والبحر وبقية الكائنات"،ولكن موضوع الآية يتطلب أن تكون هذه الأسماء إثبات لعكس توقع الملائكة في أن كل بني آدم مفسدين وسفاكي دماء، وعليه يجب أن تكون هذه الأسماء هي أسماء الصالحين من بني البشر لتثبت أن الله سبحانه وتعالى يعلم ما لا يعلمون، بينما أسماء الشجر والبحر وما شابهه لا تثبت ذلك أبداً.


5- (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240))
الآية تقول "منكم"، فهي تتحدث لأهل الميت، وتلزمهم بـ "وصية إلى أزواجهم متاعاً " بأن عليمه أن لا يخركوا زوجة الميت فلها سكن ومتاع في بيت دون إخراج. لكن الآية لا تلزم الزوجة بذلك! وقد نفهم كذلك فقط عندما نغوص في تأويل اللفظ دون فهم موضوع الآية .

6- (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)) 
الخطاب في هذه الآية موجه للرجال لا للنساء، فالآية تأمرهم بعدم الاقتراب الاقتراب في هذه الفترة،لكنها لا تخاطب النساء فلا أمر لهن فيما يتعلق بالنهي عن صلاة أو صوم.

7 - (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180))
نفهم موضوع الآية من خلال فهم من هو المخاطب؟ فالمخاطب هو من هم حول الميت، فليس الأمر موجهاً للميت نفسه.فلا يأمر الميت هنا ولكنه يأمر أهل الميت بحفظ الوصية.

8- حتى على مستوى السورة فإن القرآن يتحدث فيها بموضوع يمكن الإلتزام به ففي سورة النساء مثلاً تتحدث عن الذكر والأنثى ليس في آياتها الأول بل تواصل في حديثها للزوجين إلى أبعد من ذلك 

لكي نفهم القرآن علينا أن لا نفهمه كنص ، بل علينا أن نفهم الموضوع أولاً ذلك لأن من لديه قلب يمكنه أن يفهم بدون أي قوة في هذا العلم ، واللغة لن تخدم إلا بعد فهم الموضوع.



ثانياً : فهم الموضوع بعد الانتهاء من قراءة الآيات.

على قارئ القرآن أن يبدأ في فهم القرآن من فهم الموضوع الذي تطرحه السورة أو مجموعة الآيات، دون أن يكون مشدوداً لتأويل بعض الكلمات أو لمحاولة استظهار ماوراءها.فالقرآن حديث الله، وحديثه لا ألغاز فيه، وهو سبحانه يحدثنا بيسر ويخاطب كل البشر. ومن يأخذ بهذه القراءة المباشرة يتمكن أن يفهم المعنى الخارجي البسيط لمعاني الآيات بدون تكلف. R

إن الفهم الأساسي المباشر لآيات القرآن تؤهل المؤمن بأن يفهم المرحلة التالية التي تعنى بفهم الكلمات من أجل أن توضع الكلمات في سياق موضوعها لا العكس .ولو بدأ القارئ بمعرفة معاني الكلمات قبل أن يفهم الموضوع الأساسي سيخرج بمعاني بعيدة عن المراد منها في الآية. R




ثالثاً: عدم فهم معنى الكلمة قد لا يخل من موضوع الآية: R

أمثلة:
1- ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103))
عدم معرفة الـ "بحيرة" ، "سائبة"، "وصيلة" ، "حام" لا يأثر أبداً على فهم المعنى الأساسي للآية وهو أن هناك من استحدث في المحرمات ما لم يذكره الله في كتابه. وليس مهماً بالنسبة للمؤمن أن يعرف أسماء هذه المحرمات ما دام أنه لن يخرج من الحلال فقد عرفها تمام المعرفة من آية "حرم عليكم".

2- ( فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً (28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (29) وَحَدَائِقَ غُلْباً (30) وَفَاكِهَةً وَأَبّاً (31) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (32)) 
الأهم من معرفة المعنى الدقيق لكلمة(أبا) هو رؤية الصورة التي تنقلها الآية الشريفة في أن الله سبحانه وتعالى أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض وأنبت لنا نباتاً كان منه إطعام وفاكهة.إن عدم توفر المعنى الدقيق لكلمة "أبا" لا يخل من هذا المعنى فأصل المعنى محفوظ. فعلينا بالأهم قبل المهم.ويمكن في هذا السياق أن نقول أن كلمة "أبا" شيء يزرع ويخرج من الأرض وكفى.
على أننا لا ننفي كمال المعنى بمعرفة الكلمة، ولكن المقصود هو أن موضوع الآية وهو الأهم ولايتعطل بعدم توافر معاني بعض الكلمات.

تدبر الآيات
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82))
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24))
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ (68))
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (29)) 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق